فور إعلان نتائج قرعة المونديال العالمي، الذي سينطلق في الحادي عشر من شهر حزيران / يونيو من العام المقبل، بدأ المحللون بنشر توقعاتهم عن هويّة المنتخبات التي من الممكن أن تفوز باللقب، أو تلك التي ستقدّم مستوى كبيراً، يصل بها إلى مراتب متقدّمة.
البعض رشّح منتخب إسبانيا؛ لأنّه المنتخب الأقوى على الصعيد العالمي حاليّاً، والبعض الآخر رشّح البرازيل بحكم أنّه منتخب يعرف كيف يفوز بهذه البطولة التي نالها 5 مرّات، في حين ذهب آخرون إلى ترشيح منتخبات أخرى؛ كإيطاليا وإنجلترا وغيرها، نظراً للمستويات الكبيرة التي تقدّمها.
ما يلفت النظر في تصريحات المحللين أنهم يستبعدون منتخبات أخرى كبيرة من الترشيحات؛ كالأرجنتين وفرنسا وهولندا وحتى ألمانيا، رغم تصدّر الأخيرة لمجموعتها في التصفيات، بناءً على الأداء المتواضع لهذه المنتخبات، حاليّاً، ويعتقد هؤلاء أنّ هذه المنتخبات لن تكون ضمن المنافسين على لقب البطولة، ولا حتى الوصول لأدوار متقدّمة.
برأيي المتواضع، هذه الترشيحات ليست منطقيّة في الوقت الحالي، حتى وإن صدقت عقب انتهاء المونديال؛ لأننا ما زلنا بعيدين عن هذا الحدث العالمي، الذي ما زال يفصلنا عنه حوالي 7 شهور، وهي فترة كافية لأن يتبدّل الحال، فتصعد مستويات منتخبات، وتهبط أخرى، ويظهر نجوم جدد في منتخبات، يصعدون بها إلى القمّة. بل أنّ مستويات الفرق تتطوّر من مباراة لأخرى في البطولة ذاتها، وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى المونديال السابق في ألمانيا نجد الدليل، فالفريقان اللذان وصلا إلى النهائي (إيطاليا وفرنسا)، لم يكونا ضمن المرشحين في الدور الأول، بعد أن تأهلا بشقّ الأنفس إلى الدور الثاني، ومنه إلى الأدوار الأخرى، فقد قدّم المنتخبان أداءً متواضعاً في البداية، ثمّ تطوّر مستواهما كثيراً من مباراة لأخرى، حتى وصلا النهائي، فكانت مباراتهما واحدة من أقوى نهائيّات المونديال العالمي عبر التاريخ.
وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء أكثر، وتحديداً إلى مونديال 2002م، الذي عُرف بـ(مونديال المفاجآت)، فقد كانت غالبيّة الترشيحات تصبّ في صالح الأرجنتين، التي كانت تضمّ نجوماً لا يشكّ أحدٌ في قدرتهم على إحراز اللقب، فقد تصدّرت التصفيات أنذاك بفارق 12 نقطة عن صاحب المركز الثاني، وفازت في جميع مبارياتها الوديّة خارج أرضها، لكنّها خرجت من الدور الأوّل، بعد أن فشلت في إحراز أكثر من 4 نقاط، ولم تسجّل سوى هدفين، رغم وجود هدافين بارزين على رأسهم الهدّاف المعروف بـ (باتي جول أو صائد المرمى) جابرييل باتيستوتا، إلى جانب كلاوديو لوبيز وهيرنان كريسبو وإرييل أورتيغا، وغيرهم.
المفارقات الأخرى في مونديال 2002 تمثّلت بإحراز البرازيل للقب بعد أن عانت الأمرّين في التصفيات، وتأهلت بشقّ الأنفس كما حصل مع الأرجنتين في التصفيات الماضية، وكان أغلب المحللين يستبعدون حصولها على اللقب، إلى جانب ألمانيا، التي لعبت بمنتخب من الشباب، استبعد الجميع وصوله إلى النهائي، لكنّه فعل، ثمّ خروج حاملة اللقب (فرنسا)، التي كانت من أبرز المرشحين لنيل اللقب إلى جانب الأرجنتين من الدور الأوّل. ومن كان يتوقّع أيضاً وصول كوريا الجنوبيّة وتركيا إلى الدور نصف النهائي؟
كلّ هذه المفارقات تؤكّد أنّ توقّع هويّة الفائز بكأس العالم المقبل غير ممكن حاليّاً، لأنّ المونديال ما زال بعيداً، وإذا ما كنّا نتشوّق للحديث عن المونديال، فمن الأفضل أن نراقب البطولات الجارية حاليّاً، ونتابع نجوم الكرة الحاليين والصاعدين، ونقيّم من منهم يستحقّ أن يتواجد في جنوب إفريقيا في شهر يونيو من العام المقبل.
كلمة أخيرة: سأل الصحفيون باتيستوتا عقب نهاية مباراة وديّة، جمعت الأرجنتين وألمانيا، في شهر ديسمبر عام 2001م فاز بها التانغو 1/0 في مدينة ميونخ؛ استعداداً لنهائيات كأس العالم 2002م: هل الأرجنتين ستفوز بكأس العالم 2002م؟ فأجاب: لو أقيمت البطولة الآن سنفوز حتماً، لكن لا أضمن بقاءنا بنفس المستوى إلى ذلك الحين.
بالفعل، باتيستوتا كان حكيماً.