الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
إن
الحديث عن موضوع تغيير النفس، يحتاج إلى دراسة من ناحيتين: من ناحية
العلم، ومن ناحية العمل، أي: التطبيق العملي لمفهوم تغيير النفس، وقد قال
- تعالى -: ((إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا
مَا بِأَنفُسِهِمْ))، ويقول - سبحانه وتعالى -: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ
لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)).
وقد
يحاول الكثير منا تغيير بعض طبائعه إلى الأفضل، أو تغيير بعض عاداته إلى
الأحسن، ولكن تواجهه العديد من العقبات والمشكلات التي تجعله يقف مكتوف
الأيدي عن تحقيق أهدافه وآماله وأحلامه، مما يؤدي إلى أن يبدأ مشوار الحط
من قدرته، وتحطيم ثقته بنفسه، والنتيجة تكون في النهاية، عدم المواصلة في
تغيير النفس، أي: الفشل.
وفي
هذا المقال أضع بعض القواعد المهمة حتى يستطيع المسلم تغيير نفسه إلى
الأفضل كي يسعد في الدنيا والآخرة، وهي بمثابة خطوات مهمة تعيننا على
تطبيق هذه القواعد.
القاعدة الأولى:
حدد بوضوح ما تريده:
من
المهم أن نحدد الهدف الذي نحتاجه، خذ ورقة وقلم، واكتب الآن ما تريد
تغييره في نفسك، فمثلاً: أريد أن أترك الدخان، أو أن أترك سماع الأغاني،
أو حفظ القرآن أو المحافظة على الصلاة.
بعد
أن حددت هذا الهدف، اكتب بجانب هذا الهدف النتائج السيئة أو السلبية على
عدم تحقيقك لهذا الهدف، فمثلاً: النتائج السلبية للتدخين: أولها: معصية
لله - سبحانه وتعالى -، ثانيها: إضرار بصحتك، ثالثها: ضياع مالك فيما لا
ينفعك بل يضرك.
1.
النتائج السلبية لسماع الأغاني: أولها: معصية لله ورسوله - عليه الصلاة
والسلام -، ثانيها: قسوة القلب، ثالثها: عدم تدبر القرآن وفهمه؛ لأنه لا
يجتمع في القلب سماع الأغاني، وسماع القرآن.
2. النتائج السلبية لعدم حفظ القرآن: ضياع أجر حفظ القرآن، وماذا أعظم من هذه النتيجة.
القاعدة الثانية:
الأهداف والنتائج الايجابية:
وهي
في الغالب نقيض النتائج السلبية السابقة، مثلاً: الهدف ترك التدخين، فما
هي نتائجه الإيجابية، رضى الله - سبحانه وتعالى - بأن توقفت عن معصيته،
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك لله شيئاً عوضه خير منه))، والله
سيعضوني خيراً من التدخين، النتيجة الثانية، صحتي ستتحسن إلى الأفضل،
سأقوم بتوفير المال الذي كان يضيع في التدخين.
مثال
أخر: الهدف ترك سماع الأغاني، فما هي نتائجه الإيجابية؟ التوقف عن معصية
الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالرسول - صلى الله عليه وسلم -
يقول: ((ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) فما
أعظمَ مخالفة أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد أمرنا الله -
سبحانه وتعالى - بطاعة الرسول - عليه الصلاة والسلام -، بل جعل الله - عز
وجل - طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من طاعة الله، قال - تعالى -:
((?من يطع الرسول فقد أطاع الله)?.
حاول
أن تحفز نفسك، فكر في كل الفوائد والمميزات التي ستحصل عليها من تحقيقك
لهذا الهدف، وكلما تفكرت بهذه الفوائد، كلما ازدادت رغبتك في تحقيق هذا
الهدف.
القاعدة الثالثة:
ضع خطة عمل:
هذا
هو الوقت الذي يبدأ فيه العمل والتنفيذ، فإنه يجب عليك أن تتخذ إجراء ما،
ولتبدأ بهدف واحد تريد تحقيقه، ومن خلاله تغير نفسك، وضع خطوات العمل.
فمثلاً: المحافظة على صلاة الجماعة، فما هي خطواتها:
1.
قراءة الأحاديث الواردة في فضل المحافظة على صلاة الجماعة، والتبكير إلى
الصلاة، وأجر الصف الأول، وأجر من حافظ على التكبيرة الأولى.
2. استغلال الساعة لتنبيهك على دخول وقت الصلاة.
3. طلب من تثق به أن يعينك على ذلك ويذكرك بدخول وقت الصلاة.
قم بالتركيز على خطوات العمل التي قمت باختيارها، ثم ضعها في حيز التنفيذ.
وتذكر
أن العادة لن تتغير حتى تتغير أنت، وتتقبل فكرة التغيير باعتبارها محفزاً
إيجابياً، فإن هذا سيعطيك المزيد من الشجاعة وقوة اتخاذ القرار.
القاعدة الرابعة:
التدريب ثم التدريب ثم التدريب:
لابد
من معرفة أن التغيير ليس بالسهل، فإننا نواجه تغيير عادة تعودنا عليها
سنين طويلة، ولذا لابد من التدريب، والاستمرار على ترويض النفس، فبعد مرور
مدة من تدريب ستتغير هذه العادة. يظن البعض عند محاولة تغيير نفسه أو
عاداته أنه يستطيع أن يغيرها بكل سهولة، وما أن يوجه أول صعوبة أو يفشل في
التغيير، يقوم بترك هذا البرنامج، وبالتالي لن يحقق ما وضعه من هدف. ولذا
نقول: علينا بالتدريب، ثم التدريب، ثم التدريب، فإنك مع التدريب ستصل إلى
ما تريد إن شاء الله، قال - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفلِحُونَ)).
القاعدة الخامسة:
الابتعاد عن السلبيين:
حاول
أن لا تجالس من لم يستطيع تحقيق هذا التغيير، فإن هؤلاء سيقومون بتحطيمك
ويضعون أمامك العراقيل التي تؤدي إلى توقفك عن مشروعك والهدف الذي وضعته
لنفسك، فهؤلاء هم رفقاء السوء، الذين يثنونك عن النهوض بنفسك والارتقاء
بها إلى الأفضل، والابتعاد عن معصية الله - سبحانه وتعالى -.
وفي الختام:
إن
مدار تغيير النفس بعد بذل السبب على تعلق القلب بالله والاستعانة به فنحن
نقول في كل ركعة ?إياك نعبد وإياك نستعين ? والنبي - صلى الله عليه وسلم -
علّم عبدالله بن عباس: إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله
فلابد أن تكون إرادتك في تغيير نفسك قوية، ولابد من العمل والبدء في تغيير
نفسك، ثم عليك بالصبر، فإن أفضل الأمور هي الصبر. وآخر دعوانا أن الحمد
لله رب العالمين.